الاثنين، 3 نوفمبر 2014
3:31 م

خبر العدل تارة يكون مقبولاً، وتارة يكون مردوداً !!



بسم الله الرّحمن الرّحيم

فائدة: (في بيان أن خبر العدل تارة يكون مقبولاً، وتارة يكون مردوداً)!!

س: متى يكون خبر العدل مقبولاً؟ ومتى يكون مردوداً؟ أو: نغير صيغة السؤال فنقول: إذا كان أهل العدالة والضبط يُقبل حديثهم عند جميع العلماء على كل حال، لكن وجدنا أنهم أحياناً يردون حديث العدل، أما قبوله فواضح لأن قبول رواية العدل هو الأصل، أما رد روايته فخروج عن الأصل، نريد توضيحاً شافياً كافياً؟.

الجواب: الأصل أن خبر العدل مقبول، إلا إذا قام الدليل على أن العدل قد وَهِم في خبره فآنذاك يُرد خبره ولا كرامة، مثل:

1-الحديث الشاذ : (الذي راويه مقبول، وخالف من هو أوثق منه).

2-وكذلك: الحديث المضطرب : (الذي يختلف فيه الحفاظ على أحد الرواة الثقات بوجوه متكافئة ويتعذر الجمع بينهم).

وأحياناً يردون حديث أحد الحفاظ ويقولون: (ليس هذا من حديثه، بل: هو حديث فلان، وإنما دخل عليه أثناء مذاكرة فلان له فعلق في ذهنه وظنه من حديثه، وليس كذلك، كما بين ذلك الحافظ ابن رجب-رحمه الله-في شرحه لـ(علل الترمذي)، ومثل بالزهري.

وإذا أرسل أحد الحفاظ حديثاً ولم يذكر اسم شيخه فيَخاف منه الأئمة ويقولون: (هو حافظ ولو أراد أن يسمي لسَمَّى فلماذا لا يسمي؟ إذاً فشيخه مجروح، مع أن في ذلك نظراً، لاحتمال أنه أرسل الحديث في مجلس وعظ أو: في مناظرة واحتجاج على خصم له أو: غير ذلك من الأمور التي اعْـتـُذِرَ بها على إرسال من أرسل من الثقات، والله أعلم .

(تنبيه): (ولقد شاع بين الناس أن النقد الحديثيَّ يقوم على الإسناد والنظر فيما قرره النقاد الجهابذة من أحوال الرواة جرحاً أو: تعديلاً، وهو أمر يحتاج إلى دراسة وإيضاحٍ، فالنقد الحديثيّ فيما نرى مر بمراحل متعددة:

المرحلة الأولى: وتقوم على نقد المتون، وعلى أساسها تَم الكلامُ في الرواة جرحاً أو: تعديلاً، وهي مرحلة تمتد من عصر الصحابة حتى نهاية النصف الأول من القرن الثاني الهجري، فقد كان الصحابة-رضي الله تعالى عنهم-يرد بعضهم على بعض حينما يستمعون إلى متون الأحاديث المروية، والأحكام المتصلة بها، فترد أمنا عائشة-رضي الله عنها-مثلاً على أبي هريرة وابن عمر وأبيه، ويرد عمر على عائشة وعلى فاطمة بنت قيس، وهلم جرّاً، ويظهر ذلك في العديد من الأحاديث التي ساقها البخاري ومسلم في: (صحيحيهما).

المرحلة الثانية: وهو طور التبويب والتنظيم، وجمع أحاديث كُلِّ محدث والحكم عليه من خلال دراستها، ويتَبَدَّى ذلك في الأحكام التي أصدرها:

1-عليّ بن المديني،

2-ويحيى بن معين،

3-وأحمد بن حنبل،

4-وأبو زرعة،

5-وأبو حاتم الرازيان،

6-والبخاري،

7-ومسلم،

8-وأبو داود، وأضرابهم.

غير أنه لا يخالجنا شك أن بعض العلماء المتقدمين قد تكلموا في الرجال جرحاً أو: تعديلاً لمُعَاصَرتِهم لهم أو: اجتماعهم بهم، مثل:

1-مالك بن أنس،

2-3-والسفيانيين،

4-وشعبة بن الحجاج،

5-وحماد بن زيد،

6-والأوزاعي،

7-ووكيع بن الجراح،

وأن الطبقة التي تلت هؤلاء تكلموا في الرواة الذين أخذوا عنهم، واتصلوا بهم، لكن كيف نفسر كلام كبار علماء الجرح والتعديل ممن عاشوا في المئة الثالثة في رواة لم يلحقوهم من التابعين ومن بعدهم، ولم يؤثر للمتقدمين فيهم جَرْحٌ أو: تعديل، فندعي أنهم اعتمدوا أقوال من سبقهم في الحكم عليهم؟ بيان ذلك في الأمثلة الآتية الموضحة:

1-قال ابن أبي حاتم في ترجمة: أحمد بن إبراهيم الحلبي: (سألت أبي عنه، وعرضت عليه حديثه، فقال: لا أعرفهُ، وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليس لها أصولٌ، يدل حديثه على أنه كذَّاب) .

2-وقال في ترجمة: أحمد بن المنذر بن الجارود القزاز: (سألت أبي عنه، فقال: لا أعرفه، وعرضتُ عليه حديثه، فقال: حديث صحيح) .

3-وقال أبو عبيد الآجري في ترجمة: مسلمة بن محمد الثقفي البصري: (سألت أبا داود عنه، قلت: قال يحيى (يعني: ابن معين): "ليس بشيء"؟ قال: حدثنا عنه مُسدّد، أحاديثهُ مستقيمة.

قلت: حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: (إياكم والزَّنج، فإنهم خلق مشوه. فقال: من حدَّث بهذا فاتَّهِمْه!) .

فهذه الأمثلة الثلاثةُ واضحةُ الدلالة على أن أبا حاتم الرازيَّ وأبا داود لم يعرفا هؤلاء الرواة إلا عن طريق تفتيش حديثهم المجموع، وأنهما أصدرا أحكامهما إستناداً إلى ذلك.

ومثل ذلك قول البخاري (ت:256) في إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشْهلي المدني (83-165هـ): منكر الحديث، وقول أبي حاتم الرازي (ت:277هـ) فيه: شيخٌ، ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث، وقول النسائي (ت:303هـ) فيه: ضعيف .

فهؤلاء العلماء الثلاثة لم يدركوه ولا عرفوه عن قرب ولا نقلوا عن شيوخهم أو: آخرين ما يفيد ذلك، فكيف تَمَّ لهم الحصولُ على هذه النتائج والأقوال؟ واضحٌ أنهم جمعوا حديثه ودرسوه، وأصدروا أحكامهم اعتماداً على هذه الدراسة.

وحينما يذكر المتقدمون أن النقد إنما يقوم على العلماء الجهابذة، فليس معنى ذلك أنه يقوم على دراسة الإسناد، يقول ابن أبي حاتم: (فإن قيل: فبماذا تُعْرَف الآثار سلسلة الأحاديث الصحيحة والسقيمة؟ قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة في كل دهر وزمان) .

ثم قال: (قيل لابن المبارك: وهذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة) .

وهذه المرحلة هي المرحلة الأكثرُ أهمية في تاريخ الجرح والتعديل، وهي التي ينبغي أن تُتبع اليوم، لا سيما في المختلَف فيهم، إذ يَتَعيَّنُ جَمْعُ حديثهم، ودراستُه من عدة أوجه:

أولها: أن ينظر في الراوي إن كان له متابع على روايته ممن هو بدرجته، أو: أكثر إتفاقاً منه.

والثاني: أن يعرض حديثه على المتون سلسلة الأحاديث الصحيحة التي هي بمنزلة قواعد كلية، وهي القرآن الكريم وما ثبت من الحديث، فإن وافقها اعتبرت شواهد لها يتقوى بها، أما الشواهد سلسلة الأحاديث سلسلة الأحاديث الضعيفة فلا عبرة بها.

المرحلة الثالثة: الجمع بين أقوال المتقدمين في الرواة، وبين جمع حديث الراوي وسَبْره وإصدار الحكم عليه، كما نراه واضحاً عند علماء القرن الرابع الهجري مثل:

1-ابن حبان (ت:354 هـ)،

2-وابن عدي الجرجاني (ت:365 هـ)،

3-والدارقطني (ت:385 هـ).

ولعل أبرز من يمثل هذه المرحلة هو ابن عدي في كتابه: (الكامل في ضعفاء الرجال).

كان ابن عدي يعتمد أقوال المتقدمين، فيوردها عادة في صدر الترجمة، ثم يفتش حديث الرجل-وهذا يقتضي أن يجمع حديثه، ويسوق منه أحاديثه المنكرة، أو: ما أنكر عليه، أو: الأحاديث التي ضُعِّف من أجلها، فيدرسها ويُبين طرقها-إن كان هناك طرق أخرى-، ويُصْدِرُ حكماً في نهاية الترجمة يُبين فيه نتيجة دراسته هذه، ويعبر عن ذلك بأقوال دالةٍ نحو قوله:

1-(لم أجد له حديثاً منكراً) ،

2-أو: (لا أعرف له من الحديث إلا دون عشرة)،

3-أو: (هذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له) .

ونحو ذلك من الأقوال والأحكام التي تشير إلى أن الأساس في الحكم على أي شخص جرحاً أو: تعديلاً هي الأسانيد التي ساقها والمتون التي رواها، لا ما قاله أهل الجرح والتعديل فقط.

وقد دفعه هذا المنهج إلى إيراد رجال لم يتكلم فيهم أحدٌ، لكنه وجد لهم أحاديث استنكرت عليهم لمخالفتها ما هو معروف متداول من الأسانيد والمتون، وهو ما يعبر عنه بعدم متابعة الناس له عليها، أو: أنها غير محفوظة، نحو قوله في ترجمة: سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري بعد أن ساق له جملة أحاديث غير محفوظة: (ولسعْد غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه غير محفوظ، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً، إلا أني ذكرته لأبين أن رواياته عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة عامتها لا يتابعه أحد عليها) .

وقضية سعد هذا بيّنها ابن حبان في: (المجروحين) بشكل أوضح، فقال: (يروي عن أخيه وأبيه عن جده بصحيفة لا تُشبهُ حديث أبي هريرة يتخايل إلى المستمع لها أنها موضوعة أو: مقلوبة أو: موهومة، لا يحل الاحتجاج بخبره).

المرحلة الرابعة: التأكيد على نقد السند استناداً إلى أقوال أئمة الجرح والتعديل بعد جمعهم لها والموازنة بينها، ووضع القواعد الخاصة بهذا الأمر مما ظهر في كتب المصطلح، فصححوا الأحاديث التي اتصل بإسنادها برواية الثقات العدول، وخلت من الشذوذ والعلة، وحسنوا الأحاديث التي اتصلت أسانيدها، واختلف النقاد في واحد أو: أكثر من رواتها، وضعفوا الأحاديث التي لم تتصل أسانيدها، أو: ضعف واحد أو: أكثر من رواتها، على اختلاف بينهم بين متشدد ومتساهل بحسب مناهجهم التي ارتضوها، وما أدى إليه اجتهادهم. وقد ظهر هذا الاتجاه منذ عصر أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت:405هـ) وإلى عصور متأخرة.

المرحلة الخامسة: وهي المرحلة التي سادت بين أوساط المشتغلين بهذا العلم-على قلتهم-في العصور المتأخرة وإلى يوم الناس هذا، وهي التي تعتمد أقوال المتأخرين في نقد الرجال، ولا سيما الأحكام التي صاغها الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-في: (التقريب) حيث صار دستوراً للمشتغلين في هذا العلم، فيحكمون على أسانيد الأحاديث استناداً إليه، ولا يرجعون-في الأغلب الأعم-إلى أقوال المتقدمين، ولم يكتفوا بذلك بل: راحوا يعتمدون تصحيح أو: تضعيف المتأخرين للأحاديث مثل:

1-الحاكم،

2-والمنذري،

3-وابن الصلاح،

4-والنووي،

5-والذهبي،

6-وابن كثير،

7-والعراقي،

8-وابن حجر، وغيرهم.

مع أن هؤلاء لم ينهجوا منهج المتقدمين في معرفة حال الراوي من خلال مروياته، وإنما اعتمدوا أقوال المتقدمين في نقد الرجال مع تساهل غير قليل عند بعضهم مثل الحاكم وغيره) انتهى من كتاب: (تحرير التقريب) (1/18/وما بعدها)، وسيأتي الكلام مستوفى مع ما هنا وزيادة)
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات:

إرسال تعليق